لطالما أدّت السواحل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دورًا محوريًا في تشكيل المشهدين الثقافي والتاريخي للمنطقة. فمن الموانئ القديمة والمرافئ إلى حطام السفن الراقدة تحت الأمواج، يكشف علم الآثار البحرية في هذه المنطقة عن إرث ديناميكي من الملاحة والتجارة والتبادل الثقافي يمتد لآلاف السنين. وتوفّر هذه المواقع الساحلية والمغمورة بالمياه رؤىً لا تُقدّر بثمن حول كيفية حياة المجتمعات سابقًا وتنقّلها وتفاعلها عبر شبكات بحرية واسعة النطاق.
ورغم هذه الأهمية، فإن هذا التراث الغني يواجه تهديدات متزايدة. إذ تتعرّض المواقع الأثرية الساحلية وتحت الماء في مختلف أنحاء المنطقة لخطر متصاعد ناجم عن التوسّع العمراني، وتغيّر المناخ، والنهب، والنزاعات. لا تزال العديد من هذه المواقع غير موثّقة، وقد تضيع هذه السجلات الهشّة للماضي إلى الأبد ما لم يُتّخذ إجراء عاجل. إن الحاجة إلى حماية هذا التراث لم تكن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وفي سبيل تعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية، أطلق مشروع “الآثار البحرية المهددة بالاندثار” (MarEA) — بالتعاون مع صندوق استكشاف فلسطين وبدعم من صندوق حماية التراث الثقافي التابع للمجلس الثقافي البريطاني — وحدة تعليمية تمهيدية حول علم الآثار البحرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باللغتين الإنجليزية والعربية. صُمّمت هذه الوحدة لتكون مدخلًا ميسّرًا إلى هذا المجال المثير والذي كثيرًا ما يُغفل عنه، وهي موجّهة إلى الطلاب والجمهور المهتم على حد سواء.
تتكوّن الوحدة من أربعة محاور رئيسية. تبدأ بمقدمة في علم الآثار البحرية وأهداف مشروع MarEA، ثم تنتقل إلى استعراض التراث البحري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال دراسات حالة وتطورات بارزة في كلا الجزئين من المنطقة. أما القسم الثالث فيتناول الأطر القانونية، الدولية والوطنية، التي تنظّم حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه. ويُختتم القسم الأخير بتسليط الضوء على التهديدات المختلفة التي تواجه علم الآثار البحرية، بما يشمل التغيّر البيئي، والضرر البشري، ودراسة حالة مركّزة عن التراث الساحلي المهدد في غزة.
وبالإضافة إلى قائمة مرجعية مختارة ومراجع للقراءة الإضافية، فإن هذه الوحدة التعليمية لا تقتصر على تقديم معلومات ثرية فحسب، بل تتميز أيضًا بجذورها الأكاديمية المتينة. فهي تتيح للمتعلمين أدوات نقدية للتفاعل مع المادة والنظر في أبعادها الواسعة.
سواء كنت باحثًا ناشئًا في علم الآثار أو مهتمًا بالتاريخ في أعماق البحار، فإننا ندعوك لاستكشاف هذه الوحدة التعليمية. فمن خلال ذلك، تساهم في جهد متزايد لفهم وحماية والاحتفاء بالتراث الثقافي البحري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.


![]() |
![]() |
![]() |